البهائية في لبنان

بهائي نيوز – في قلب الشرق الأوسط، حيث تتشابك خيوط الطوائف والأديان لتنسج نسيجًا اجتماعيًا فريدًا ومعقدًا، تتواجد الأقلية البهائية في لبنان، حاملةً معها إرثًا تاريخيًا غنيًا وتحديات فريدة. إن حضور البهائيين في هذه الجمهورية المتعددة الأوجه ليس مجرد تواجد ديموغرافي، بل هو قصة صمود، وسعي مستمر للاندماج، ومساهمة هادئة في نسيج المجتمع اللبناني، على الرغم من غياب الاعتراف الرسمي الكامل بطائفتهم.

جذور تاريخية عميقة: وصول البهائية إلى بلاد الأرز

تعود بدايات الوجود البهائي في لبنان إلى سبعينيات القرن التاسع عشر، وهي فترة محورية شهدت توافد الأفراد الأوائل، الذين كانوا في غالبيتهم من الإيرانيين. لم يكن هذا التوافد مجرد هجرة عشوائية، بل ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالمركز الروحي للبهائية في ذلك الوقت. ففي تلك الحقبة، كان مؤسس الدين البهائي، حضرة بهاء الله، قد نُفي إلى عكا (عكا حاليًا)، التي كانت جزءًا من ولاية بيروت العثمانية آنذاك. هذا القرب الجغرافي من المركز الجديد للدين شجع على انتشار تعاليمه في المناطق المحيطة، بما في ذلك لبنان.

للاشتراك مجانا ومشاهدة كل الفيديوهات البهائية اضغط هناTo subscribe for free and watch all Baha'i videos, click here

لم يقتصر الوجود البهائي على المهاجرين الأوائل؛ فمع مرور الوقت وتفاعل هؤلاء مع السكان المحليين، بدأت عدة عائلات لبنانية تؤمن بمبادئ وتعاليم الدين البهائي الجديد. وبحلول نهاية القرن التاسع عشر، ترسخ الوجود البهائي في مناطق لبنانية متعددة، خاصة في منطقة بيروت والبقاع الغربي. وشهدت هذه الفترة أيضًا زيارات مهمة لشخصيات محورية في تاريخ الدين البهائي، مثل حضرة عبد البهاء، الابن الأكبر لحضرة بهاء الله ومركز عهده، مما عزز من أسس المجتمع البهائي الوليد في لبنان. على مر العقود، نمت هذه المجتمعات الصغيرة، محافظة على تعاليمها وقيمها في بيئة لبنانية متنوعة.

تحديات الاعتراف الرسمي: الطائفة التاسعة عشرة غير المعترف بها

على الرغم من هذا التاريخ الطويل والوجود المتجذر، تواجه الطائفة البهائية في لبنان تحديًا هيكليًا رئيسيًا: عدم الاعتراف بها كواحدة من الطوائف الدينية الثماني عشرة المعترف بها رسميًا في الدستور اللبناني. هذا النقص في الاعتراف يضع البهائيين في وضع قانوني فريد ومعقد، ويترتب عليه عدد من الصعوبات في حياتهم اليومية ومعاملاتهم الرسمية.

أحد أبرز هذه التحديات يكمن في تسجيل الأحوال الشخصية. ففي السجلات الرسمية، لا تُسجل ديانة البهائيين بشكل صريح، بل يُضطرون إلى تسجيل ديانة أجدادهم السابقة لاعتناق العائلة للدين البهائي، والتي غالبًا ما تكون المذهب الشيعي أو غيره من الأديان التاريخية في المنطقة. هذا يعني أن هويتهم الدينية الحقيقية لا تنعكس في الأوراق الرسمية للدولة، مما قد يسبب لهم إشكاليات في التعاملات القانونية والاجتماعية.

التحدي الآخر، وربما الأكثر إلحاحًا، يتعلق بقضايا الزواج والأحوال الشخصية. لا يوجد في لبنان محاكم روحية أو محاكم خاصة بالبهائيين لعقد القران وفقًا للشريعة البهائية، على غرار الطوائف المعترف بها. هذا يدفع بالبهائيين اللبنانيين إلى خيار اللجوء إلى الزواج المدني في الخارج، غالبًا في قبرص أو تركيا، ثم محاولة تثبيت هذا الزواج المدني في لبنان. ورغم أن الزواج المدني المعقود في الخارج يُعترف به قانونًا في لبنان، إلا أن العملية نفسها تعد عبئًا ماليًا ولوجستيًا على الأزواج البهائيين، وتبرز الفجوة في الاعتراف القانوني بدينهم.

الأعداد والانتشار: مجتمع متواضع الحجم لكنه حيوي

تختلف التقديرات بشأن أعداد البهائيين في لبنان، لكنها تشير عمومًا إلى أنها أقلية صغيرة. فبينما تقدر بعض المصادر عددهم ببضع مئات من الأشخاص، أشارت تقديرات جمعية أرشيف بيانات الأديان (اعتمادًا على الموسوعة المسيحية العالمية) إلى حوالي 3,900 بهائي في عام 2005، و 2,832 في عام 2010. وتشير تقديرات أحدث إلى حوالي 1000 بهائي أو أكثر بقليل. مهما كانت الأرقام الدقيقة، يتركز الوجود البهائي بشكل رئيسي في مناطق معينة، مثل بلدة بيت مري الواقعة على مشارف العاصمة بيروت، بالإضافة إلى وجود مقابر بهائية في مشغرة وخلدة، مما يؤكد على جذورهم الراسخة في الأراضي اللبنانية.

على الرغم من صغر حجمهم، فإن المجتمع البهائي في لبنان يتميز بحيويته والتزامه بمبادئ دينه، التي تركز على الوحدة، الانسجام، العدالة، والسلام. يمارس البهائيون عباداتهم وصلواتهم بشكل فردي، حيث لا يوجد في الدين البهائي رجال دين أو كهنة. وتُدار شؤون مجتمعاتهم من خلال محافل روحانية منتخبة ديمقراطيًا، تعكس مبدأ الشورى والعمل الجماعي.

مساهمات مجتمعية وتجاوز للتحديات: الاندماج الهادئ

على الرغم من التحديات القانونية، لم ينعزل البهائيون في لبنان عن نسيج مجتمعهم. بل سعوا دائمًا إلى الاندماج وتقديم مساهمات إيجابية. يشهد على ذلك بعض الأمثلة البارزة، مثل تعيين الأكاديمي والباحث البهائي الدكتور بشروئي (أو بشروئي روحاني، وفقًا لبعض المصادر) مستشارًا للرئيس أمين الجميل في الثمانينات. لم يكن بشروئي مجرد مستشار سياسي، بل هو أيضًا باحث معروف في أعمال جبران خليل جبران وله مؤلفات عديدة عنه، ويشغل حاليًا كرسي جبران خليل جبران للقيم والسلام في جامعة ميريلاند. هذا يشير إلى مستوى من القبول والتفاعل مع البهائيين في الأوساط الثقافية والسياسية اللبنانية، على الرغم من غياب الاعتراف الديني الرسمي.

يعمل البهائيون في لبنان، كغيرهم من البهائيين حول العالم، على تطبيق تعاليم دينهم التي تدعو إلى الوحدة بين البشر، والمساواة بين الرجل والمرأة، وتكامل الدين والعلم، والبحث المستقل عن الحقيقة. إنهم يسعون للمساهمة في بناء مجتمع أفضل من خلال العمل الخدمي، وتعزيز القيم الأخلاقية، ونشر مبادئ التعايش السلمي. وعلى الرغم من أنهم قد لا يملكون دور عبادة كبيرة مثل “مشارق الأذكار” الموجودة في عدد قليل من البلدان حول العالم، إلا أنهم يمارسون شعائرهم في بيوتهم أو في مراكز بهائية خاصة، ويحتفلون بأعيادهم مثل عيد الرضوان بروح من الدعاء والمناجاة.

في الختام، يمثل الوجود البهائي في لبنان نموذجًا فريدًا لأقلية دينية تسعى للعيش بسلام والاندماج في مجتمع معقد، على الرغم من عدم الاعتراف الرسمي الكامل. إن قصتهم تعكس مرونة الأفراد وقوة المبادئ، وتؤكد على أن المساهمة في بناء الأوطان لا تتوقف عند حدود الاعتراف القانوني، بل تمتد إلى الالتزام بالقيم الإنسانية النبيلة والسعي الدائم لخدمة المجتمع….المزيد


كاتبة المقال
لينا رامي
صحفية ومترجمة
ABN Bahá’í News مؤسسة بهائي نيوز
للتواصل  lina.rame@abnnews.net

.
lلموضوعات الأكثر بحثا ً

البهائية في لبنان, اضطهاد البهائيين, لبنان, Baha’is in Lebanon, حرية المعتقد, تحديات قانونية, تسجيل الأحوال الشخصية, الزواج المدني, مجتمع بهائي, بيروت, بيت مري, حقوق الإنسان, Minorities in Lebanon, التعايش السلمي, تاريخ البهائية, بشروئي, تمييز ديني, Religious Freedom, Faith in Lebanon, Baha’i Faith.

اذا اردت الانضمام لكتاب هذا الموقع إرسل لنا رسالة عبر editor@abnnews.net If you wish to join this website's writers, send us a message via editor@abnnews.net

 Si vous souhaitez rejoindre les rédacteurs de ce site, envoyez-nous un message via editor@abnnews.net

 اگر مایلید به نویسندگان این وب‌سایت بپیوندید، پیامی به ما از طریق editor@abnnews.net ارسال کنید.

Si deseas unirte a los escritores de este sitio web, envíanos un mensaje a través de editor@abnnews.net

 

للتواصل : info@abnnews.net

Scroll to Top