القاهرة – بهائي نيوز – يُمثل الوجود البهائيين في مصر جزءًا من النسيج الديني المتنوع للبلاد، وإن كان يواجه تحديات فريدة ومعقدة، أبرزها وأكثرها إلحاحًا هي أزمة الهوية في بطاقة الرقم القومي. هذه الأزمة ليست مجرد مسألة إدارية، بل تتجاوزها لتُلامس جوهر حقوق المواطنة، الحق في الوجود، والاعتراف الرسمي. على الرغم من أن الدستور المصري يُكفل حرية المعتقد، فإن التطبيق العملي يضع أتباع الديانة البهائية في موقف صعب، مما يُعيق قدرتهم على ممارسة أبسط حقوقهم المدنية. يهدف هذا التقرير إلى استعراض تاريخ هذه الأزمة، جذورها، تداعياتها على حياة البهائيين، والجهود المبذولة لحلها، مع التأكيد على أهمية إيجاد حل شامل يضمن المساواة والاعتراف بجميع المواطنين المصريين.
خلفية تاريخية: البهائيون في مصر ومواجهة الرفض
ظهرت الديانة البهائية في منتصف القرن التاسع عشر في إيران، ووصلت إلى مصر في أواخر القرن ذاته. كان للبهائيين في مصر وجود ملحوظ، وساهموا في الحياة الاجتماعية والثقافية للبلاد. ومع ذلك، تصاعدت التحديات التي واجهوها، خاصة بعد ثورة يوليو 1952، حيث تم حل المحافل البهائية ومصادرة أملاكهم بقرار جمهوري في عام 1960. هذا القرار، الذي كان يستند إلى اعتبار البهائية “ضارة بالنظام العام”، شكّل نقطة تحول كبرى، حيث جُرد البهائيون من اعترافهم الرسمي كجماعة دينية.
منذ ذلك الحين، بدأ البهائيون في مصر يُواجهون رفضًا متزايدًا للاعتراف بديانتهم في الوثائق الرسمية، وهو ما تطور لاحقًا إلى الأزمة الراهنة في بطاقة الرقم القومي.
جذور الأزمة: خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي
يكمن جوهر أزمة الهوية في بطاقة الرقم القومي للبهائيين في مصر في خانة “الديانة”. لعقود طويلة، لم تسمح السلطات المصرية بتسجيل “بهائي” كديانة في هذه البطاقة. كان الخياران المتاحان هما “مسلم”، “مسيحي”، أو “يهودي”. هذا الوضع وضع البهائيين أمام خيارات صعبة: إما تسجيل ديانة لا يعتنقونها (التي تُعرف بالتقية القسرية) للحصول على البطاقة، أو عدم امتلاك بطاقة رقم قومي على الإطلاق.
غياب بطاقة الرقم القومي يُعني فعليًا حرمان الأفراد من ممارسة أبسط حقوق المواطنة. فالبطاقة هي مفتاح الحصول على شهادات الميلاد، الزواج، الطلاق، استخراج جواز السفر، التسجيل في المدارس والجامعات، الحصول على الرعاية الصحية، فتح الحسابات المصرفية، وامتلاك الممتلكات. بدون هذه الوثيقة الأساسية، يُصبح البهائيون فعليًا “أشباحًا قانونيين” في بلادهم، مع تداعيات وخيمة على حياتهم اليومية وعلى أجيالهم المتعاقبة.
التطورات القانونية: قضية “الشرعية” والحل المؤقت
تصاعدت الأزمة بشكل لافت في أوائل الألفينات، عندما رفضت السلطات المصرية إصدار شهادات ميلاد لأطفال بهائيين لم يسجل آباؤهم دياناتهم كـ”مسلم” أو “مسيحي”. أدى ذلك إلى رفع قضايا متعددة من قبل البهائيين، سعيًا للاعتراف بديانتهم.
في عام 2008، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمًا تاريخيًا في قضية معروفة، قضى بأنه لا يمكن إجبار البهائيين على تسجيل ديانة لا يعتنقونها. هذا الحكم فتح الباب أمام حل جزئي للأزمة، حيث سمحت وزارة الداخلية في عام 2009 بإصدار بطاقات الرقم القومي والوثائق الرسمية للبهائيين مع وضع “شرطة (-)” أو ترك خانة الديانة فارغة بدلاً من تسجيل ديانة أخرى أو كتابة “بهائي”.
هذا الحل، رغم أنه خفف من حدة الضغط على البهائيين، إلا أنه لم يُقدم اعترافًا كاملًا بالديانة البهائية. فوجود الشرطة أو الخانة الفارغة في البطاقة لا يزال يُشير إلى وضع غير عادي، ويُمكن أن يؤدي إلى تمييز غير مباشر أو استجواب في بعض المواقف. كما أن هذا الحل لم يُعالج بشكل صريح مسألة الاعتراف بالزواج البهائي، مما يترك البهائيين في فراغ قانوني فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية.
التحديات المستمرة والتداعيات المجتمعية
على الرغم من الحل المؤقت، لا يزال البهائيون في مصر يُواجهون تحديات كبيرة:
- الوصمة والتمييز: عدم الاعتراف الصريح بالديانة في الوثائق الرسمية يُسهم في وصم البهائيين في المجتمع ويُعرضهم للتمييز في بعض جوانب الحياة اليومية.
- الأحوال الشخصية: تُعد قضايا الزواج والطلاق والإرث من أبرز التحديات. فمع عدم وجود قانون أحوال شخصية بهائي معترف به، يضطر البهائيون في بعض الأحيان إلى اللجوء إلى حلول غير تقليدية أو مواجهة صعوبات قانونية بالغة.
- المضايقات: في بعض الفترات، تعرض البهائيون لمضايقات اجتماعية أو حتى اعتداءات، خاصة في القرى والمناطق الريفية، نتيجة للتحريض أو سوء الفهم لطبيعة معتقدهم.
- الاندماج الاجتماعي الكامل: يُعيق غياب الاعتراف الكامل قدرتهم على الاندماج الاجتماعي بشكل سلس ومساوٍ لباقي المواطنين.
نحو حل شامل: الدعوات إلى المساواة والاعتراف
تُواصل منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني، وكذلك الأفراد البهائيون، الدعوة إلى حل شامل لأزمة الهوية في بطاقة الرقم القومي وفي الوثائق الرسمية الأخرى. يرتكز جوهر هذه الدعوات على مبادئ المواطنة المتساوية وحرية المعتقد، وهما حقان أساسيان يُكفلهما الدستور المصري والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي وقعت عليها مصر.
يتطلب الحل الشامل:
- الاعتراف الصريح بالديانة البهائية: السماح بكتابة “بهائي” في خانة الديانة في بطاقة الرقم القومي، أسوة بالديانات المعترف بها.
- وضع قانون للأحوال الشخصية: تطوير إطار قانوني يُنظم مسائل الزواج والطلاق والميراث للبهائيين، بما يتوافق مع مبادئ ديانتهم ويكفل حقوقهم.
- تغيير النظرة المجتمعية: العمل على زيادة الوعي وتقبل التنوع الديني في المجتمع المصري، ومكافحة الخطاب الذي يُحرض على الكراهية أو التمييز ضد الأقليات.
إن معالجة أزمة البهائيين في مصر وأزمة الهوية في بطاقة الرقم القومي ليست مجرد قضية تتعلق بمجموعة دينية واحدة، بل هي اختبار حقيقي لمدى تطبيق مبادئ المواطنة الكاملة والمساواة للجميع، بغض النظر عن معتقداتهم. الحل يكمن في إطار قانوني واجتماعي يضمن حماية حقوق جميع المواطنين المصريين، ويُعزز التسامح والتعايش السلمي كركائز لمستقبل أكثر شمولًا للجميع….المزيد
كاتبة المقال
لينا رامي
صحفية ومترجمة
lلموضوعات الأكثر بحثا ً
.
البهائيون في مصر, أزمة الهوية للبهائيين, بطاقة الرقم القومي, حرية المعتقد مصر, حقوق المواطنة مصر, الديانة البهائية مصر, حكم المحكمة الإدارية العليا 2008, تسجيل الديانة مصر, تقية قسرية, وثائق رسمية مصر, قرار 1960 مصر, البهائيين والزواج, هيومن رايتس ووتش, التمييز ضد البهائيين مصر, بهائي نيوز.
اذا اردت الانضمام لكتاب هذا الموقع إرسل لنا رسالة عبر editor@abnnews.net If you wish to join this website's writers, send us a message via editor@abnnews.net
Si vous souhaitez rejoindre les rédacteurs de ce site, envoyez-nous un message via editor@abnnews.net
اگر مایلید به نویسندگان این وبسایت بپیوندید، پیامی به ما از طریق editor@abnnews.net ارسال کنید.
Si deseas unirte a los escritores de este sitio web, envíanos un mensaje a través de editor@abnnews.net