بهائي نيوز – تُعدّ الديانة البهائية، التي قامت على مبادئ وحدانية الله، ووحدة الأديان، ووحدة الجنس البشري، ديانة عالمية تنتشر تعاليمها ومجتمعاتها في مختلف أنحاء العالم. في تونس، يمتلك المجتمع البهائي تاريخاً عريقاً يعود إلى أوائل القرن العشرين، وقد مرّ هذا المجتمع بمراحل مختلفة من التواجد والتحديات، وصولاً إلى نضال مستمر في السنوات الأخيرة من أجل الحصول على حقوق أساسية كالاعتراف الرسمي وتوفير مقبرة خاصة بهم.
للاشتراك مجانا ومشاهدة كل الفيديوهات البهائية اضغط هناTo subscribe for free and watch all Baha'i videos, click here
البدايات والتوسع: حضور مبكر في المشهد التونسي
وصلت تعاليم بهاء الله إلى تونس في السنوات الأولى من القرن العشرين،وتحديدا عام 1921 مع قدوم محيي الدين الكردي، وهو بهائي مصري من شيوخ الأزهر، إلى البلاد في مهمة لنشر رسالة حضرة بهاء الله مؤسس الدين البهائي بحسب موقع “البهائيون في تونس”. وبدأت في الانتشار تدريجياً. تُشير المصادر إلى أن أول البهائيين في تونس كانوا من التجار والمثقفين الذين تعرفوا على التعاليم في المشرق العربي أو عبر الأنشطة التبشيرية المبكرة. في سياق تونس آنذاك، التي كانت تشهد انفتاحاً ثقافياً وفكرياً، سمح ذلك ببعض المساحة لانتشار أفكار جديدة، بما في ذلك التعاليم البهائية التي تدعو إلى المساواة والتعليم ونبذ التعصب. وقد أُنشئ أول محفل روحي بهائي في تونس العاصمة عام 1921، وهو ما يُعد إنجازاً تاريخياً مهماً، ويؤكد على وجود نواة مجتمعية منظمة. استمر المجتمع في النمو خلال العقود التالية، وتوسع ليشمل أفراداً في مدن تونسية أخرى، وصولاً إلى تقديرات غير حكومية تُشير إلى أن أعدادهم تصل إلى 25 ألفاً، مما يجعلهم أقلية دينية ملحوظة في البلاد.
فترة الاضطهاد والحظر الرسمي في منتصف القرن العشرين
لم يدم هذا الانفتاح طويلاً، فمع تزايد أعداد البهائيين وتعاظم نشاطهم في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، بدأت التحديات تظهر، لتصل إلى حد الاضطهاد الرسمي. في عام 1969، أصدرت الحكومة التونسية حكماً بحظر الأنشطة البهائية في البلاد، مستندة إلى تفسيرات معينة للدين الإسلامي واعتبرت النشاط البهائي “تهديداً للنظام العام”. هذا الحظر أدى إلى حل المحافل الروحية البهائية، ومصادرة ممتلكاتهم، وتعرض العديد من الأفراد للمضايقة، والاستجواب، وحتى الاعتقال. هذا الاضطهاد أجبر البهائيين على ممارسة شعائرهم بشكل سري، والابتعاد عن أي نشاط علني، خوفاً من الملاحقة. تُشير تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية إلى هذه الفترة كجزء من سجل تونس في قمع الحريات الدينية آنذاك.
نضال ما بعد الثورة: من أجل الاعتراف والمقبرة
على الرغم من إطلاق الحريات السياسية والفردية في تونس بعد انتفاضة 14 يناير 2011، لا يزال بهائيو تونس يواجهون تحديات قانونية كبيرة. فالحكومة التونسية لا تعترف بالدين البهائي رسمياً، مما يمنعهم من تكوين جمعيات دينية أو ممارسة شعائرهم علناً، ويُعاملون قانونياً كمسلمين. هذا الوضع يُعيق حريتهم في ممارسة دينهم والتعريف به.
في السنوات الأخيرة، كثف البهائيون التونسيون جهودهم للحصول على حقوقهم الأساسية. وفقاً للصحافي التونسي صغير الحيدري في مقال نشره في “اندبندنت عربية” بتاريخ 27 مايو 2023، يواصل البهائيون نضالهم على أكثر من صعيد. فقد راسلوا في عام 2017 الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي ليشتكوا مما أسموه “تمييزاً على أساس ديني” لرفض منحهم ترخيصاً لتأسيس جمعية.
كانت هناك مواجهة قضائية بين السلطات والبهائيين عندما رفضت الحكومة منحهم رخصة تأسيس جمعية، مستندة إلى “اتهامات رسمية لهم بالردة والكفر”. ومع ذلك، جاء التطور الأخير الإيجابي على لسان محمد بن موسى، عضو المكتب الإعلامي للجمعية البهائية في تونس، الذي صرح لـ “اندبندنت عربية” بأن القضاء قد أنصفهم أخيراً ومنحهم الحق بتأسيس جمعية. هذا القرار القضائي يُعد نصراً مهماً للمجتمع البهائي، ومن المتوقع أن يتم نشر القرار لاحقاً في الجريدة الرسمية.
تحدي المقبرة الخاصة: نضال مستمر
على الرغم من النجاح في قضية تأسيس الجمعية، لا يزال البهائيون في تونس يواجهون تحدياً آخر وهو الحصول على مقبرة خاصة بهم. يُوضح محمد بن موسى أن مطلب المقبرة قوبل بالرفض من قبل السلطات، مما دفعهم للجوء إلى القضاء أيضاً من أجل هذا الحق. يُشكل هذا المطلب أهمية كبيرة للبهائيين، حيث أن تعاليمهم الدينية تتضمن طقوساً خاصة بالدفن تختلف عن التقاليد الإسلامية السائدة، مما يجعل وجود مقبرة خاصة ضرورة للاحترام الكامل لحرياتهم الدينية.
آفاق المستقبل: دولة القانون والمؤسسات
يؤكد محمد بن موسى أن نضال البهائيين مستمر “لإرساء دولة القانون والمؤسسات التي تحمي الجميع وترسخ دعائم مواطنة ترعى حقوق الإنسان، وتضمن للكل الكرامة كما نص عليها دستورنا ونصت عليها المعاهدات الدولية”. هذا الطدل يعكس تطلع المجتمع البهائي، وجميع الأقليات في تونس، إلى تطبيق كامل للمبادئ الدستورية التي تضمن حرية المعتقد، المنصوص عليها في الدستورين السابق (2014) والحالي (2022)، والذي أُقر في 25 يوليو 2022.
رغم أن تونس قد شهدت تحولات ديمقراطية وإطلاقاً للحريات، إلا أن قضية الأقليات الدينية غير المعترف بها، مثل البهائيين، تُشكل اختباراً حقيقياً لمدى التزام الدولة بمبادئ المساواة والمواطنة الكاملة. النجاح في قضية تأسيس الجمعية يُعد خطوة إيجابية، لكن نضال البهائيين من أجل حقوقهم الكاملة، بما في ذلك المقبرة، يستمر، مدعومًا بالأمل في بناء مجتمع تونسي أكثر شمولاً وتنوعاً.
محمد بن موسى:
هنا لابد من ان نشيد باسم شخص بارز بدأ يظهر في السنوات الأخيرة كمتحدث باسم المجتمع البهائي في تونس، خاصة في سياق نضالهم من أجل الاعتراف بالحقوق: